اســتـــراحــة الـمحــارب

استراحة عقلية و فكرية لمحارب.. فى دنيا الله .. يبحث عن الحكمة ..

من أنا

صورتي
رحالة فى دنيا الله .. من أرض الى أرض .. اسمع و انصت ... و اعقل ..لعلى اعتبر أبحث عن الحكمة .. فأين أجدها؟

زوار الاستراحة

المتابعون

ابحث فى الاستراحة

بحث مخصص



هذه التدوينة مخصصة لموضوع .. اهل الحل و العقد
و هى رد على أخونا الفاضل عصفور المدينة
و معذرة ان كانت طويلة فلاهمية الموضوع توسعت فى الشرح

أهل الحل والعقد

"أهل الحل والعقد" أو "أهل الاختيار" ترتيب دستوري إسلامي، استنبطه فقهاء السياسة الشرعية المسلمون من تطبيقات الخلفاء الراشدين وطريقة استلام كل منهم للخلافة، ولم أجد عليه نصا قطعي الثبوت والدلالة في القرآن الكريم أو في السنة النبوية الشريفة، ومن استدل عليه بنص من فقهاء السياسة الشرعية، فإنما كان ذلك على سبيل التوسيع والتأويل لا القطع.

ويغلب على ظني أن هذا الترتيب الدستوري كان تطبيقًا وتطويرًا لنظام " أهل الشورى " الذي سنه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. وعلى أن النظام الذي وضعه عمر رضي الله عنه لم يكتب له التطبيق كما أراد هو، فإن نظام أهل الحل والعقد أو أهل الاختيار، بقي ـ على الأعم الأغلب خاصة بعد العهد الراشدي ـ في الحدود النظرية يتناوله الباحثون والمؤلفون، وينقله الخلف عن السلف ولا ترى له مجالاً في واقع الحياة الإسلامية السياسية على اختلاف العصور.(1)

ولذلك فإن مصطلح "أهل الحل و العقد" يطلق ويراد به أهل الشوكة من العلماء و الرؤساء ووجوه الناس، الذين يحصل بهم مقصود الولاية، وهو القدرة و التمكن و انقياد الناس لآرائهم، وهو مأخوذ من حل الأمور وعقدها، وقد سماهم البعض "أهل الاختيار"(2)

ويذهب البعض الآخر إلى التفريق بين أهل الحل والعقد وأهل الاختيار؛
فقالوا بأن "أهل الاختيار":- هم جماعة تناط بهم مهمة اختيار الخليفة وعرض اسمه على المسلمين لمبايعته، ولا يشترط فيهم ما يشترط في أهل الحل والعقد؛ إلا بمقدار يؤهلهم لاختيار الشخصية الأنسب لسياسة أمور المسلمين، ويكون لهم من العلم ما يعرفون به ظروف المجتمع وأحواله السياسية والاجتماعية وغيرها؛ ليختاروا على ضوء ذلك الأصلح والأقدر على إمامة المسلمين.وقد يكونون جماعة من أهل الحل والعقد ، وقد يكونون جميع أهل الحل والعقد ، وقد يكونون بعضا منهم .

أما "أهل الحل والعقد": فهم أصحاب الحقِّ، في الحكم بالحل والحرمة وهم المجتهدون الذين بلغوا أعلى مستوى من العلم يؤهلهم للاجتهاد والتشريع..

* أهل الشورى
المستقرئ لحوادث التاريخ يجد أن هناك فرقا بين أهل الشورى وأهل الحل والعقد ،
إذ الصفة البارزة في أهل الشورى "هي العلم"
لكن الصفة البارزة في أهل الحل والعقد هي "الشوكة" .
فقد ورد أن أبا بكر رضي الله عنه كان إذا حزبه أمر استدعى عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ، وكل هؤلاء كان يفتي في خلافة أبي بكر ، فاستشارهم في حين كان من بين الذين تولوا بيعة أبي بكر من أهل الحل والعقد بشير بن سعد ، ولم يكن بشير من أهل الفتوى من الصحابة ، ولكنه كان مسموع الكلمة في قومه - الخزرج - ويقال إنه أول من بايع أبا بكر الصديق يوم السقيفة من الأنصار .

فيكون أهل الاختيار بذلك عبارة عن "هيئة سياسية".. ويكون أهل الشورى عبارة عن "هيئة تشريعية" ويمكن أن تكون الهيئة الأولى متفرعة عن الهيئة الثانية، بينما يجمع أمل الحل والعقد بينهما وقد سماهم ابن حزم "فضلاء الأمة"(3) وسماهم البغدادي "أهل الاختيار والعدالة"(4) والمراد بكل ذلك من تنعقد ببيعتهم الخلافة.

وقد عرفهم الأستاذ محمود المرداوي يقوله: إن أهل الحل و العقد هم رؤساء التجمعات السياسية أو أمراء القبائل التي كانت تشكل الوحدات السياسية في الدولة الإسلامية(5).

واستشهد على ذلك بما رواه النسائي قال: أخبرني التيمي عن أبي مجلز عن قيس بن عباد قال: بينا أنا في المسجد في الصف المقدم فجبذني رجل من خلفي جبذة فنحاني وقام مقامي، فوالله ما عقلت صلاتي، فلما انصرف، فإذا أُبي بن كعب؛(6) فقال: يا فتى، لا يسؤك الله، إن هذا عهدٌ من النبي صلى الله عليه وسلم إلينا، أن نليه ثم استقبل القبلة؛ فقال: هلك أهل العقد ورب الكعبة ـ ثلاثًا ـ. ثم قال: والله ما عليهم آسى ولكن آسى على من أضلوا، قلت: (محمد بن عمر) يا أبا يعقوب (يوسف بن يعقوب) ما يعنى بأهل العقد؟ قال: الأمراء. رواه النسائي في سننه.

ولعل التعريف الجامع ـ فيما قيل ـ في أهل الحل والعقد، هو تعريف الأستاذ محمد رشيد رضا؛ إذ يقول معقبًا على تعريفات الفقهاء قبله واختلافها: وكان ينبغي أن تكون تسميتهم بأهل الحل والعقد مانعة من الخلاف فيهم، إذ المتبادر منه أنهم زعماء الأمة وأولو المكانة، وموضع الثقة من سوادها الأعظم، بحيث تتبعهم في طاعة من يولونه عليها فينتظم به أمرها، ويكون بمأمن من عصيانها وخروجها عليه(7)

ومن خلال الدراسة للتعريفات المتنوعة ـ ولا أقول المختلفة ـ لمصطلح "أهل الحل والعقد" عند علماء أهل السنة و الجماعة؛ نخلص إلى أن هذا المصطلح هو الآخر يحمل في طياته مرونة نظرية أهل السنة و الجماعة في التصرف السياسي، وإن عرفه بعض العلماء وحددّه في معنى معين، فإنما ذلك تنزيل منه للمصطلح على واقعه المعيش، وأم الأصل فيه أن يبقى قابلاّ للاجتهاد و التغيير والتطوير، بتغير الزمان والمكان وتنوع الطبائع والوقائع وتطورالظروف واختلافها.

صفات أهل الحل والعقد

يشترط أهل السنة و الجماعة في أهل الحل و العقد أن تتوفر فيهم صفات تؤهلهم لاختيار الشخص المناسب لتولي منصب إمامة الأمة، خلافةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامة حدود الشريعة وحفظ حوزة الإسلام وحمله إلى الناس، على وجه يجب اتباعه على كافة الأمة ومن هذه الصفات ما يلي:

1. العدالة: وهي أن يكون ـ الشخص المرشح ـ صادق اللهجة ظاهر الأمانة عفيفًا من المحارم متوقيًا المآثم، بعيدًا عن الريّب، مأمونًا في الرضي و الغضب، مستعملا لمروءة مثله في دينه ودنياه.
والعدالة المشروطة في الإمام، هي التي تنتظم جميع شروطها الواجبة في الشهادات من الإسلام والبلوغ والعقل وعدم الفسق واكتمال المروءة والاستقامة والأمانة والورع والتقوى والأخلاق الفاضلة

يقول رشيد رضا: أما العدالة التي هي الشرط الأول، فهي عند الفقهاء: عبارة عن النحلي بالفرائض والفضائل، والتخلي عن المعاصي والرذائل، وعما يخل بالمروءة أيضًا، واشترط بعضهم فيها أن تكون ملكة، لا تكلفًا، ولكن التكلف إذا التزم صار خلقًا..(8)

2. العلم: الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها ـ هذا بالنسبة لأهل الاختيار ـ وأما أهل الحل والعقد فذهب الجمهور إلى اشتراط درجة الاجتهاد.

يقول رشيد رضا: أما العلم فيعنون به علم الدين ومصالح الأمة وسياستها وإذا أطلقوه كان المراد به العلم الاستقلالي المعبر عنه بالاجتهاد، ويفهم من كلام بعضهم: أن الاجتهاد في الشرع شرط في مجموعهم لا في كل فرد منهم، فقد قال في "الروضة" وأصلها أن أنه يشترط أن يكون فيهم مجتهد.(9)

وقال الشافعية إذا كان أهل الاختيار واحدًا؛ يشترط فيه أن يكون مجتهدًا، وإذا كانوا جماعةً يشترط أن يكون فيهم مجتهد.

وإن تقييد الفقهاء الأوائل لشرط العلم كصفة من صفات أهل الاختيار بالعلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة بدل على أن العلم المشروط يختلف باختلاف الزمان والمكان..

فإن استحقاق الإمامة في هذا العصر يتوقف على علوم لم يكن يتوقف عليها في العصور القديمة، وقد ذكر بعض العلماء أن من مرجحات اختيار الصحابة لأبي بكر أنه كان أعلمهم بأنساب العرب وبأحوالهم وقواتهم، ولأجل هذا لم يهب من قتال أهل الردة ما هابه عمر بن الخطاب؛ ولابد الآن للإمام وجماعة الشورى (أهل الحل والعقد) الذين هم قوام إمامته، أركان حكومته من العلم بالقوانين الدولية والمعاهدات العامة، وبأحوال الأمم والدول المجاورة لبلاد الإسلام، وذات العلاقات السياسية والتجارية بها من حيث سياستها وقوتها وما يخاف ويرجى منها، وما يحتاج إليه لاتقاء ضررها والانتفاع بها و..

3. الرأي والحكمة: المؤديان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح، وبتدبير مصالح المسلمين وأمورهم أقوم وأعرف.. وليس لمن كان في بلد الإمام على غيره من أهل البلاد فضل مزية يقدم بها عليه؛ وإنما صار من يحضر ببلد الإمام متوليا لعقد الإمامة، عرفًا لا شرعًا؛ لسبوق علمهم بموته، ولأن من يصلح للخلافة في الأغلب موجودون في بلده(10)

ويضاف إلى هذا أن يكون أصحاب الاختيار،من ذوي الرأي والمشورة في الأمة، ليحققوا بذلك: إجماع الأمة بإجماعهم.

4. الشوكة: أن يكون من ذوي الشوكة الذين يتبعهم الناس ، ويصدرون عن رأيهم ؛ ليحصل بهم مقصود الولاية .

5. الإخلاص والنصيحة للمسلمين.

أعمال أهل الحل والعقد

تتحدد أعمال أهل الحل والعقد في المعنى الذي تكتسبه هذه المؤسسة في المنظومة السياسية في الأمة الإسلامية؛ ولذلك سأذكر في هذا الفصل من الأعمال التي قد تناط بأهل الحل والعقد ما ذكره فقهاء السياسة الأوائل، مشيرًا إلى أن هذه الأعمال التي قد تتقلص وقد تتسع تبعًا للعقد المبرم بين الأمة والخليفة في الإطار الشرعي، إنما يحصرها العقد، في إطار الشرع.. ومنها ما يلي:

1. تولية الخليفة، أو ترشيحه للولاية

2. تجديد البيعة لمن عهد إليه بالإمامة: وذلك بعد وفاة الإمام إذا كان من عهد إليه غير مستجمع لشروط انعقاد الإمامة قال الماوردي: تعتبر شروط الإمامة في المولَّى من وقت العهد إليه، فإن كان صغيرًا أو فاسقًا وقت العهد ثم أصبح بالغًا عدلاً عند موت المولِّي، لا تصح خلافته حتى يستأنف أهل الاختيار بيعته.(11) والجدير بالملاحظة هنا هو انعدام شروط الإمامة في المستخلف من جهة ومن جهة ثانية فإننا نقول بأن ولاية العهد يجب أن تكون بتزكية من أهل الحل والعقد، فهل يعقل أن يزكي أهل الحل والعقد صبيًّا أو فاسقًا؟

وإذا كان الشرع يحجر على الصبي والفاسق التصرف في أملاكهما؛ أيعقل بعد ذلك أن يطلق تصرفهما في الأمة وشؤونها؟!!

3. استقدام المعهود إليه الغائب عند موت الإمام.
4. تعيين نائب الإمام الذي ولَّي غائبًا إلى أن يقدم: ..قال الماوردي: إذا عهد الإمام إلى غائب ومات الإمام والمعهود إليه على غيبته واستضر المسلمون بتأخير النظر في أمورهم استناب أهل الاختيار نائبًا عنه يبايعونه بالنيابة دون الخلافة.(12)

5. عزل الإمام: عند وجود ما يقتضي العزل والنظر في إمامته.

عدد من تنعقد بهم الإمامة

اختلف علماء أهل السنة والجماعة في تحديد عدد من تنعقد بهم الإمامة من أهل الحل والعقد، فذهبوا في ذلك إلى عدة أقوال نلخصها فيما يلي:

القول الأول: ويرى أصحابه أن الإمامة لا تنعقد إلا بجمهور أهل الحل والعقد في كل بلد ليكون الرضا به عامًّا و التسليم لأمانته إجماعًا، وهو قول المالكية والحنابلة.

القول الثاني: وذهب قوم إلى اشتراط أربعين من أهل الحل والعقد يتفقون على بيعة الإمام ـ وهو العدد الذي تصح به الجمعة عند الشافعية ـ

القول الثالث: ويرى أصحابه أن: أقل ما تنعقد به الإمامة من أهل الحل والعقد، خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة، وقد استندوا في رأيهم على أمرين:

1. أن بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها ثم تابعهم الناس فيها، وهم عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وأسيد بن حضير وبشر بن سعيد وسالم مولى أبي حذيفة ـ رضوان الله عليهم جميعا ـ

2. أن عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة.. وهو قول أكثر فقهاء المسلمين من البصرة… وهو قول فريق من الشافعية أيضًا.

القول الرابع: ويرى أصحابه أن الإمامة تنعقد بثلاثة من أهل الحل والعقد، يتولاها أحدهم برضا الاثنين وليكونوا حاكمًا وشاهدين، لما يصح النكاح بولي وشاهدين، وهو قول فقهاء الكوفة.

القول الخامس: ويرى أصحابه أن الإمامة تنعقد بواحد من أهل الحل والعقد؛ يعقدها لغيره واستدل أصحاب هذا الرأي ـ وهم جمهور أهل السنة والجماعة ـ بقول العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ: "امدد يدك أبايعك فيقول الناس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان.."

وإلى ذلك ذهب معظم فقهاء السياسة الشرعية ومنهم:

الإمام الجويني في قوله: مما نقطع به أن الإجماع ليس شرطا في عقد الإمامة بالإجماع، والذي يوضح ذلك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه صحت له البيعة، فقضى وحكم وأبرم وأمضى وجهز الجيوش وعقد الألوية وجر العساكر إلى مانعي الزكاة، وجبى الأموال، وفرق منها ولم ينتظر في تنفيذ الأمور انتشار الأخبار في أقطار خطة الإسلام، وتقرير البيعة من الذين لم يكونوا في بلد الهجرة وكذلك جرى الأمر في إمامة الخلفاء الأربعة..(13)
وكذلك الإمام الباقلاني حين قال: فإن قال قائل : فبكم يتم عقد الإمامة عندكم؟ قيل لهم : تنعقد وتتم برجل واحد من أهل الحل والعقد إذا عقدها لرجل على صفة ما يجب أن يكون عليه الأئمة.(14)

وإلى ذلك ذهب الآمدي حيث قال: وإذا ثبت أن مستند التعين ليس إلا الاختصار فذلك مما لا يفتقر إلى إجماع أهل الحل والعقد، فإن ذلك ما لم يقم عليه دليل عقلي ولا سمعي نقلي، بل الواحد من أهل الحل والعقد والاثنان كاف في الانعقاد ووجوب الطاعة و الانقياد .

وجاء في شرح المواقف: وإذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة فاعلم أن ذلك الحصول لا يفتقر إلى الإجماع من جميع أهل الحل والعقد، إذ لم يقم عليه ـ أي على هذا الافتقارـ دليل من العقل والسمع، بل الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كافٍ، لعلمنا أن الصحابة على صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك كعقد عمر لأبي بكر، وعقد عبد الرحمن تن عوف لعثمان بن عفان، ولم يشترطوا اجتماع من في المدينة، فضلا عن اجتماع الأمة، هذا ولم ينكر عليهم أحد. وعليه انطوت الأعصار إلى وقتنا هذا.. في ثبوت الإمامة ووجوب اتباع أهل الإسلام(15)
وإنما استند هؤلاء الفقهاء ومن تابعهم، في القول بانعقاد الإمامة بالواحد والاثنين من أهل الحل العقد إلى أمرين اثنين وهما:

1. أنه لم يثبت دليل من النقل ولا من العقل على شرط عدد معين للانعقاد.

2. قولهم بأن إمامة أبي بكر انعقدت بمبايعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكذلك إمامة عثمان بن عفان انعقدت عبد الرحمان بن عوف رضي الله عنه .

وقد علق الإمام الجويني على هذه الآراء تعليقًا سديدا يبين لنا أمرًا أراه في غاية الأهمية في نظرية أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بتنصيب الإمام، يقرر فيه أن الشارع الحكيم ترك المجال لاجتهاد العلماء، وفقًا لمقتضيات الأحوال التي تنعقد فيها الإمامة وفي إطار المعالم الثابتة والأسس الإسلامية العامة، التي لا يجوز الخروج عنها.. يقول في ذلك: الذي أراه أن أبا بكر لما بايعه عمر لو ثار ثائرون و أبدوا صفحة الخلاف ولم يرضوا تلك البيعة لما كنت أجد متعلقًا في أن الإمامة تستقل ببيعة واحد، وكذلك لو فرضت بيعة اثنين أو أربعة فصاعدًا وقدر ثوران مخالفين؛ لما وجدت متمسكين به اكتراث واحتفال في قاعدة الإمامة ولكن لما بايع عمر تتابعت الأيدي، واصطفت الأكفّ واتّسقت الطاعة وانقادت الجماعة.. فالوجه عندي في ذلك أن نعتبر في البيعة حصول مبلغ من الأتباع والأنصار والأشياع يحصل بهم شوكة ظاهرة ومنعة قاهرة، بحيث لو فرض ثوران خلاف لما غلب على الظن أن يصطلم أتباع، فإذا تأكدت البيعة وتأطّدت بالشوكة والعدد، واعتضدت وتأيّدت بالمنعة، واستظهرت بأسباب الاستيلاء والاستعلاء فإذ ذاك تثبت الإمامة وتستقر، وتتأكد الولاية وتستمر، ولما بايع عمر، مالت النفوس إلى المطابقة و الموافقة، ولم يُبدِ أحد شراسًا وشماسًا وتضافروا على بذل الطاعة إلى حسب الاستطاعة ..(16)

ويؤكد الأستاذ محمد رشيد رضا ما ذهب إليه إمام الحرمين ناقدًا من أراد حصر الأمر في عدد ثابت بقوله: وغلط بعض المعتزلة والفقهاء فقالوا إن البيعة تنعقد دائمًا بخمسة ممن يصلح للإمامة؛ بدليل ما أشار به عمر إذ حصر الشورى في المرشحين الستة وقبل جميع الصحابة منذ ذلك فكان إجماعًا… نعم، كان إجماعًا على الشورى، وعلى أولئك الستة في تلك الواقعة، لا إجماعًا على ذلك العدد في كل مبايعة.

وقالوا إن مذهب الأشعري أنها تنعقد بعقد واحد منهم إذا كان بمشهد من الشهود؛ وهو غلط واضح! وقد ذكر هذا القول الفقهاء مقيدًا بما إذا انحصر الحل والعقد فيه، بأن وثق زعماء الأمة به وفوضوا أمرهم إليه، وهذا لم يقع ويندر أن يقع…

وأما إمامة عثمان لم تكن بمبايعة عبد الرحمان بن عوف وحده بل كانت عامة لا خاصة به، وكذلك مبايعة عمر لأبي بكر، فإن الإمامة لم تنعقد بمبايعته وحده، بل بمبايعة الجماعة له، وقد صح أن عمر أنكر على من زعم أن البيعة تنعقد بواحد من غير مشاورة الجماعة وكان بلغه هذا القول أثناء حجه؛ فعزم على بيان حقيقة أمر المبايعة وما يشترط فيها من الشورى، على جماهير الحجاج… ثم أحجم على ذلك لما ذُكر بأن الموسم يجمع عامة الناس، وقد لا يفهمون المقال، فأجله إلى المدينة(17)

ولعل ما نخلص إليه من دراسة هذه الأقوال: أن أمر عدد أهل الحل والعقد الذين تنعقد بهم الإمامة شرعًا ليست أمرًا محددًا لكل زمان ومكان وظرف؛ إذ لو كان الأمر كذلك لما وجدنا هذا الاختلاف بين علماء الأمة ـ كما سبق معنا ذلك في قول الإمام الجويني ـ بل هو متروك شرعًا لاجتهاد المجتهدين يحددون ذلك على ضوء الزمان والمكان والظروف السائدة، ولذلك ذهب معظم علماء أهل السنة والجماعة إلى انعقاد الإمامة بأي عدد من أهل الحل والعقد حتى بالواحد.. قال بذلك الإمام الباقلاني والإمام أبو الحسن الأشعري والإمام الجويني والآمدي.. وكثير من المتأخرين منهم شيخ الإسلام أحمد بن تيمية في كتابه منهاج السنة: بل إن الإمامة عندهم ـ أهل السنة والجماعة ـ تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها ـ الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامةـ فإن المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان، فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إمامًا.

وبهذا قال أئمة السلف من صار له قدرة وسلطان يفعل بها مقصود الولاية فهو من أولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم، ما لم يأمروا بمعصية الله، فالإمامة ملك وسلطان والملك، لا يصير ملكًا بموافقة واحد ولا اثنين ولا أربعة، إلاّ أن تكون موافقة هؤلاء تقضي موافقة غيرهم بحيث يصير ملكًا بذلك، وهكذا كل أمر يفتقر إلى المعاونة عليه لا يحصل إلا بحصول من يمكنهم التعاون عليه ولهذا لما بويع لعلي رضي الله عنه وصار معه شوكة صار إمامًا(18)

ومن هنا فإن المعوَّل عليه في انعقاد الإمامة هو حصول الشوكة التي بها يحسم الخلاف، ويضمن الانقياد والإتباع، ويحمل التحديد الكمي لعدد من تنعقد لهم الإمامة علي إمضاء القرار وتثبيت الاختيار في وجه الثورة والمعارضة، فبحث عدد أهل الاختيار بآحاد أو عشرات أو مئات من الأفراد دون النظر إلى قاعدة الانقياد والإتباع؛ بحث في غير موضعه إذ العدد اللازم هو الكافي لتمثيل القاعدة الشعبية للأمة.

يقول الإمام الغزالي:(19) والذي نختاره أنه يكفي بشخص واحد يعقد البيعة للإمام مهما كان ذلك الواحد مطاعًا ذا شوكة لا تطال ومهما كان إذا مال إلى جانب؛ مال بسببه الجماهير، ولم يخالف إلا من لا يكترث بمخالفته. فالشخص الواحد المتبوع المطاع الموصوف بهذه الصفة إذا بايع كفى؛ إذ في موافقته موافقة الجماهير، فإن لم يحصل هذا الغرض إلا لشخصين أو ثلاثة فلابد من اتفاقهم، وليس المقصود أعيان المبايعين، إنما الغرض قيام شوكة الإمام بالأتباع والأشياع، وذلك يحصل بكل مقدم مطاعٍ. ونحن نقول لما بايع عمر أبا بكرـ رضي الله عنه ـ "ما" انعقدت الإمامة بمجرد بيعته، ولكن لتتابع الأيدي إلى البيعة بسبب مبادرته، ولو لم يبايع غير عمر، وبقي كافة الخلق مخالفين، أو انقسموا انقسامًا متكافئا، لا يتميز فيه غالب من مغلوب لما انعقدت الإمامة. فإن شرط ابتداء الإنعقاد قيام الشوكة، ولا تقوم الشوكة إلا بموافقة الأكثرين من معتبري كل زمان.(20)

ويرى الدكتور محمود الخالدي: أن الإمامة تنعقد بجمع يتحقق به رضا المسلمين بأي أمارة من أمارات التحقيق.. فالحكم الشرعي هو أن يقوم بنصب الإمام جمع يتحقق في نصبهم له، رضا المسلمين بأي أمارة من أمارات التحقيق، سواء أكان ذلك بكون المبايعين أكثر أهل الحل والعقد أو مسارعتهم للطاعة بناءً على هذه البيعة أو بأي وسيلة من الوسائل مادام متوفرًا لهم التمكين التام من إبداء رأيهم...(21)

الشهود

اشترط بعض فقهاء السياسة الشرعية في عقد الإمامة جريانه بمشهد الشهود، وعللوا ذلك بسد الذريعة من أن يدعي مدَّعٍ عقدًا سرًّا متقدمًا على الحق المظهر علنًا، وقالوا بأن الإمامة ليست أحط رتبةً من النكاح، وقد شرط فيه الإعلان.

واختلف المشترطون للشهود في عددهم:

فمنهم من اكتفى بشاهدين قياسًا على عقد النكاح..

ومنهم من اشترط أربعة لأنهم أكثر نصاب الشهادة..

ومنهم من لم يكتف بعدد معين بل اشترط حضور أقوام لتقع بحضورهم الإشاعة والنشر والإذاعة. وهو رأي الإمام الباقلاني قال في ذلك:

فإن قالوا: فهل يجب عندكم أن يحضر العقد للإمام قوم من المسلمين؟

قيل لهم: أجل؛ وليس يجب أن يكون لمن يحضر العقد منهم حد، فإن حضر نفر من المسلمين تمت البيعة. وقد قال قوم إن أقل ما يجب أن يحضر نفر بعدد العاقد والمعقود له، قياسًا على فعل عمر في الشورى، وهذا ليس بواجب، لأن عمر لم يقصد بجعلها شورى في ستة، تحديد عدد الحاضرين للعقد وإنما جعلها فيهم دون غيرهم لأنهم أفاضل الأمة، وقد أخبر بذلك عن نفسه بقوله: أما إنه لو حضرني سالم مولى أبي حذيفة لرأيت أني قد أصيب الرأي وما تداخلني فيه الشكوك ـ يريد من أخذ رأيه ومشورته فبطل ما قالوه ـ وإنما يمنع أن يعقد الرجل لغيره مستترًا للعقد وخاليًا به، لئلا يدّعي ذلك كل أحد، وأنه قد كان عُقد له سرًّا فيؤدي ذلك إلى الهرج والفساد.(22)


(1) انظر: ظافر القاسمي، نظام الحكم الإسلامي، ص: 127
(2) الفراء، الأحكام السلطانية:5 ـ6 ـ26
(3) ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل: 4/167
(4) عبد القاهر البغدادي، الفرق بين الفرق، دار الآفاق الجديدة ـ بيروت ـ ط:4/ 1400هـ 1980، ص:211
(5) المرداوي، الخلافة بين التنظير والتطبيق:
(6) أبي بن كعب:
(7) محمد رشيد رضا، الخلافة،ص: 19
(8) محمد رشيد رضا، الخلافة: 19
(9) م.ن: 24
(10) الماوردي الأحكام السلطانية: 14
(11) الماوردي، الأحكام السلطانية: 23
(12) م.ن: 23
(13) الجويني ، غياث الأمم: 85
(14) الباقلاني، التمهيد في الرد: 178
(15) الإيجي، شرح المواقف:
(16) الجويني، غياث الأمم: 87
(17) أنظر: محمد رشيد رضا، الخلافة، ص: 20
(18) ابن تيمية ، منهاج السنة: 1/527
(19) أبو حامد الغزالي: ( الأعلام:7/347 ـ ط:3)
(20) انظر أبو حامد الغزالي، الرسالة المستنصرية: ص: 176ـ177.
(21) د. محمود الخالدي، الأصول الفكرية: 3/ 78ـ79.
(22) الباقلاني،التمهيد في الرد: 179 ويوسف أيبش، نصوص الفكر: 49.