الحقيقة أن القرآن الكريم كتاب الله:-
يقول الله جل في علاه (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (يوسف:2)
وهذا كاف لنا كمسلمين لمعرفة المصدر الحقيقي للقرآن الكريم الذي أنعم به علينا وعلى البشرية كافة وقد أنزله على نبيه الكريم على مدى ثلاث وعشرون عاماً وما يزال بين أيدينا ولله الحمد والمنة كما أُنزل فقد تكفل الله بحفظه فقال سبحانه ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)
تاريخ جمع القرآن الكريم :-
تزودنا تفاصيل تاريخ جمع القرآن الكريم الموجودة في كتب التفاسير والتاريخ بمعلومات مفصلة عن طريقة حفظ وتوزيع القرآن الكريم ، لكننا عندما نبحث في كتب الحديث وكتب التاريخ ، فإنه يتوجب علينا التذكر بأن مصداقية القرآن الكريم لا تعتمد على تلك المصادر بل على التواتر الذي نُعرفه على أنه الطريقة التي ينقل جيل من خلالها الخبر (المرئي أو المسموع) لجيل آخر ، ويتكرر ذلك دون انقطاع ، ويتم هذا النقل بحيث أن عدد الناقلين للخبر في كل جيل كبيرٌ لدرجة عدم إمكانية حدوث سوء فهم أو نسيان أو اتفاق على الكذب.
أثناء حياة النبي صلى الله عليه وسلم :-
عندما كان عدد المسلمين في مكة قليلاً وبدون سلطة رسمية خلال الثلاثة عشرة عاماً الأولى من دعوته ، اعتاد محمد صلى الله عليه وسلم أن يقرأ على أتباعه وغيرهم الفقرات القرآنية التي أُوحيت إليه ، وقد حفظها أتباعه عن ظهر قلب ، وهناك براهين على أن تلك الآيات أو السور قد كُتبت على ما كان متوفراً من وسائل في حينه.
رُوي أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه سمع عن اعتناق أخته وزوجها للإسلام ، فأسرع لبيتهما وهو مشتاط غضباً ، ولما وصل إلى هناك أخفت أخته صحيفة القرآن التي كانت تقرأ منها ، وعندما أظهر رغبته في الاطلاع عليها، أخبرته أخته أن الصحيفة القرآنية مُطهرة لا يجوز أن يمسها غير طاهر ، وطلبت منه أن يغتسل قبل لمسها ، مما يدل على أن القرآن الكريم كان مدوناً في السنة السادسة لبعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، إضافة إلى حفظه في الصدور .
وعندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة ، وأسس أول دولة إسلامية ، وضع أولويات لهذه المهمة ، فوضع أُسساً قانونية على نطاق واسع ، تحت إشراف السلطة لحفظ وجمع القرآن الكريم ، وللتأكد من ذلك فقد وضع ترتيبات منظمة للغاية. فقد أسس لجنة من حوالي أربعين شخصاً أو أكثر من أصحابه القادرين على القراءة والكتابة وأوكل إليهم مهمة كتابة القرآن الكريم ، وقد أورد ابن عبدربه وابن القيم أسماء بعض هؤلاء مثل:-
1. أبو بكرالصديق
2. عمر ابن الخطاب
3. عثمان ابن عفان
4. علي ابن أبي طالب
5. الزبير ابن العوام
6. عامر ابن فهيرة
7. أُبي ابن كعب
8. زيد ابن ثابت
9. خالد ابن سعيد ابن العاص
10. معاوية ابن أبي سفيان
11. المغيرة ابن شعبة
12.عبدالله ابن الأرقم
13.العلاء ابن عقبة
14.عمرو ابن العاص
15.ثابت بن قيس
16.عبدالله ابن رواحة
17.خالد ابن الوليد
يقول المؤرخ "العراقي" في مقطع شعري من كتابه "حياة محمد صلى الله عليه وسلم" (شعر) عن عدد الكتبة :-
" وكان عدد كُتّابه اثنان وأربعون "
كان الصحابي الشهير حنظلة ابن ربيع الأسدي رئيساً لتلك اللجنة. ويصنف على أنه رئيس جميع كتبة النبي صلى الله عليه وسلم (خليفة كل كاتبٍ من كُتاب النبي ) . وكان يقضي معظم وقته مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد انتقلت مسؤولياته بعد وفاته إلى صحابي آخر.
يمكن تفسير سبب ترشيح عدد كبير من الكُتاب كهذا على أن هدفه كان تأمين تواجد كاتب كلما دعت الحاجة لذلك ، فقد كان الوحي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أي وقت وأي مكان ، خلال رحلاته وحملاته العسكرية. وما ترشيحه لهذا العدد من الكتاب إلا خير دليل على جدية حرصه على حفظ القرآن الكريم مكتوباً.
اعتاد النبي صلى الله عليه وسلم كلما أُنزلت عليه آية أو آيات من عند الله أن يستدعي أحد أعضاء اللجنة ويملي عليه ما أُنزل ، مع توجيهه له للمكان من القرآن الكريم الذي يكتب فيه الوحي الجديد ، وبذلك يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم بإملاء الآيات المبعثرة فقط ، بل أعطى نظام ترتيب كل آية حسب الوحي ، ولم يترك مهمة تنظيم السور والآيات للأجيال اللاحقة ، فقد كان ذلك ضرورياً لأن أكثر من سورة أُنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في نفس الوقت ، لذلك فقد كان النساخ بحاجة إلى إرشاد الوحي في تنظيم القرآن الكريم أيضاً.
روى زيد ابن ثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطلب من الكاتب أن يقرأ له ما كتب بعد إتمام إملائه صلى الله عليه وسلم ، وذلك لتصحيح ما قد يكون الكاتب قد أخطأ فيه ، وللتأكد من صحة المسودة (ثم أُخرج به إلى الناس) وقد اعتاد الناس أن يكتبوا نُسخاً منه لاستعمالهم الشخصي ، ولحفظها غيباً في ذاكرتهم .
كان الصحابة متحمسين لدراسة وحفظ القرآن الكريم لما له من أهمية أساسية في حياتهم ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أكد على أهميته بشدة وباستمرار. تكثر الأحاديث النبوية الشريفة التي تقول أن قراءة القرآن الكريم من المصحف الشريف تعادل قراءته عن ظهر قلب ، ويشبه ذلك بفضل صلاة الفريضة على صلاة النافلة ، وقد قال أن من يتلو القرآن الكريم أثناء الليل شخص سعيد ومحظوظ . وقال أيضاً "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" . كان تأكيده صلى الله عليه وسلم على أهمية حفظ القرآن غيباً واضحاً بحيث أنه جعل ذلك مهراً قدمه صحابي فقير إلى زوجته ، وكان أحياناً يطلب من أصحابه أن يتلو القرآن عليه ، فقد سأل عبدالله ابن مسعود النبي صلى الله عليه وسلم " يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أُنزل ؟" فأجابه عليه الصلاة والسلام " إني أُحب أن أسمعه من غيري ".
نظراً لازدياد عدد أتباع النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة النبوية ، فقد تعلم القرآن الكريم ودونه عدد كبير من أتباعه ، روى أنس ابن مالك أن أربعة من كبار الأنصار من صحابة رسول الله قد جمعوا القرآن الكريم وهم : أُبَيّ ابن كعب – معاذ ابن جبل – زيد ابن ثابت – أبو زيد ، وزاد أنس في رواية أخرى اسم أبو الدرداء أيضاً ، وقد أخطأ الكثير من المؤرخين عندما حصروا عدد صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم الذين جمعوا القرآن الكريم بأنهم أربعة فقط.
إن الرواية تهدف إلى ذكر أولئك الصحابة من الأنصار ولا تشتمل على أسماء الصحابة المهاجرين الذين جمعوا القرآن الكريم.
تلا بعض الصحابة القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم لنيل تصديقه عليه ، رُوي أن عبدالله ابن مسعود تلا سورة يوسف على النبي صلى الله عليه وسلم ، بينما تعلم أُبَيّ ابن كعب القرآن كاملاً من النبي صلى الله عليه وسلم . يروي الإمام البخاري في صحيحه أن سبعين من قراء القرآن الكريم قد استشهدوا في غزوة بئر معونة ، وقد انتشرت نسخ مكتوبة من القرآن الكريم أثناء حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما رُوي أن عائشة رضي الله عنها قد احتفظت بمصحف لها في بيتها (بيت الرسول صلى الله عليه وسلم) ، وهذا يؤكد وجود مصحف في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم. كما امتلك المصحف العديد من الصحابة وقد كانوا متحمسين لحمله معهم أثناء المعارك ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشجعهم على ذلك .
وفي حجة الوداع ألقى الرسول الكريم خطبة حث فيها على تحصيل العلم قبل ضياعه ، فسأله أعرابي " أيضيع العلم والمصحف بين أيدينا ؟"
تؤكد لنا هذه الحادثة طبيعة القرآن الكريم الشاملة في بداية الإسلام، فمن الواضح أنه كان مكتوباً ومجموعاً قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. روى البخاري أن نسخة من القرآن الكريم قد احتُفظ بها في بيت النبي صلى الله عليه وسلم عند عائشة رضي الله عنها، إضافة إلى عدة نُسخ أخرى عند الصحابة رضوان الله عليهم، وقد نُسخت جميعها من النسخة الأصلية التي أشرف عليها النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة .
ترتيب سور القرآن الكريم :-
لقد اُنزل القرآن الكريم مُنجماً أي على فترات تتناسب مع مراحل البعثة النبوية، لكنه لم يُرتب ترتيباً زمنياً حسب نزوله، ونُظم بطريقة جديدة أثناء جمعه وتنظيمه بحيث يظهر لقارىء المستقبل متماسكاً، واعتاد النبي صلى الله عليه وسلم كلما أملى فقرة من القرآن الكريم للكتبة أن يُخبرهم بمكانها في القرآن الكريم. وهذا يعني أن القرآن الكريم لم يكن يُدون ويُحفظ تدريجياً كما كان ينزل، بل كان يُجمع ويُنظم تنظيماً جديداً تحت إشراف النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، والذي كان بدوره يتلقى التعليمات من الله عز وجل وبناء على ذلك فإن الصحابة استعملوا لفظ " جمع " لتعريف دورهم في كتابة القرآن الكريم. رُوي أنهم قالوا " كنا نجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجمع القرآن الكريم على الرقاق"
رويت عدة أحاديث تفيد أنه عندما اكتمل إنزال القرآن الكريم تلاه النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام وقد كانت آخر مراجعة هي صورة القرآن الكريم في شكله الأخير تحت إشراف الله عز وجل.
وبذلك يكون القرآن الكريم كاملاً قد جُمع ودُون كتابة أثناء حياة النبي صلى الله عليه وسلم. كانوا يكتبون القرآن الكريم على الجلد المدبوغ، وعلى ألواح من الحجارة والخشب، وقطع من القماش، وعلى عظام أكتف الحيوانات....الخ واحتُفظ بنسخة كاملة منه لدى السلطة الرسمية، أي في بيت النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي حيث كان يسكن، مما أتاح للجميع حرية نسخها واستعمالها للحفظ أو التلاوة. وإضافة إلى تلك النسخة الأساسية فإن عدداً آخر من النسخ قد وُجد لدى بعض الصحابة، ومنها ما كان مصحفاً كاملاً، وأخرى كانت أجزاء منه. وقد حدث ذلك بالضبط موافقاً لتعليمات القرآن الكريم :-
"إن علينا جمعه وقرءانه * فإذا قرأناه فاتبع قرءانه * ثم إن علينا بيانه" (75 : 17-19)
توضح تلك الآيات في كلمات قليلة المنهج الإلهي لطريقة المحافظة على القرآن الكريم.
تاريخ جمع القرآن الكريم ( أثناء خلافة أبي بكر ):-
من المهم أن نفهم طبيعة الدور الذي قام به الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه في إيصال القرآن الكريم إلى صورته النهائية، فأثناء خلافته استشهد العديد من حفظة القرآن الكريم في ساحات المعارك، مما أقلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاقترح على أبي بكر ما يلي :-
1- وجوب مسئولية الدولة عن نشر القرآن الكريم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
2- وجوب توفر نسخة من القرآن الكريم مكتوبة على صفحات متساوية الحجم ومجموعة في كتاب واحد
وبناءً عليه فقد قرر الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن يجمع القرآن الكريم في كتاب واحد، فألف لجنة تحت رئاسة زيد ابن ثابت، وقد أعانه جميع الصحابة وبذلك يكون الكتاب قد جُمع وصُدق عليه من قِبل مئات الصحابة. ودُعي كل صحابي كانت عنده أية آية مكتوبة على أية شيء، وطُلب منه أن يأتي بشاهدين على أن تلك الآيات قد أملاها وقرر مكانها النبي صلى الله عليه وسلم ، واستُدعي الشهود للتأكد من صدق الأمر، وللتأكد من مشاركة الصحابة الجماعية في ذلك العمل الجليل.
لقد اختص جهدهم هذا بالقرآن الكريم المكتوب وبتوزيعه، إن النقل المكتوب ليس الطريقة الوحيدة التي حُفظ من خلالها القرآن الكريم، بل لقد اتُبعت وسائل أخرى لحفظه.
رغم أن القرآن الكريم قد جُمع أثناء حياة النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن مهمة إعداد نسخة رسمية قد تطلبت إعادة كتابته على صفحات متساوية الحجم، ونظراً للحساسية التي أولاها الصحابة للقرآن الكريم فإن تلك المهمة لم تُترك لشخص واحد، فقد عظم الصحابة القرآن الكريم أكثر من أي شيء آخر، وأكد جميعهم على ضرورة عدم وجود خطأ أو أي اختلاف أثناء كتابة الآيات من النسخة الأصلية وجمعها في كتاب واحد، إضافة إلى ذلك فإن الدليل الشفوي والكتابي يجب أن يتوفر، لا لاكتشاف شيء جديد ولكن للتأكيد على صحته بشكل أكبر. إن الحذر الملاحظ الذي اتخذته اللجنة التي أسسها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، يمكن مقارنته مع أية محاولة حديثة لنشر القرآن الكريم على نطاق واسع، حيث تُقارن وتُدقق محتويات النُسخ ثم يُصدق عليها من قِبَل الحُفّاظ الذين يحفظون القرآن الكريم غيباً والمتوفرين بأعداد كبيرة.
لقد وُضع مجلد القرآن الكريم الذي أُعد من قِبل اللجنة وصُدق من قِبل الصحابة في مكان عام حيث بإمكان الناس أن ينسخوا ما يشاءون منه .
تاريخ جمع القرآن الكريم( أثناء خلافة عثمان ابن عفان ):-
لقد أودع القرآن الكريم بعد وفاة أبي بكر الصديق عند عمر ابن الخطاب رضي الله عنهما، ثم أودع عند ابنة عمر حفصة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته .
وأثناء خلافة عثمان ابن عفان رضي الله عنه اعتنق الإسلام عدد كبير من غير العرب، ولم تكن العربية هي لغة الأم عندهم، فقد كانوا يتكلمون الفارسية ولغات أخرى، وبعضهم كانوا يقرأون العربية بطرق مختلفة، واعتاد بعض العرب في مناطق نائية تلاوة القرآن الكريم بلهجات مختلفة. ولم تؤثر مثل تلك الاختلافات على المدى البعيد على عملية المحافظة على القرآن الكريم، وذلك لتوفر أعداد كبيرة من النسخ المكتوبة من القرآن الكريم، ولوجود آلاف من الناس الذين كانوا يتلونه بلهجته الأصلية، رغم أن تلك الاختلافات بسيطة في طبيعتها، إلا أن تلك الاختلافات في اللفظ كانت محط قلق الخليفة الذي خشي أن تتطور لتصبح نُسخاً مختلفة مما قد يؤدي إلى اختلاف في المعاني. وبناء عليه فكما اتُخذت قاعدة في النص فقد اتُخذت قاعدة للفظ. ولم يكن ذلك قراراً صعباً. فقد تشاورالخليفة عثمان ابن عفان مع الصحابة رضوان الله عليهم، وقرر وجوب قراءة القرآن الكريم مطابقة للهجة النبي صلى الله عليه وسلم، أي لهجة قريش في مكة المكرمة. وبذلك يتضح أن طريقة قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن الكريم هي الطريقة الأصلية والمقبولة. لقد أعد عثمان ابن عفان نُسخاً من القرآن الكريم كُتبت طبقاً للهجة وخط قريش، ووُزعت هذه النسخ على سائر مدن الخلافة الإسلامية، كنُسخ أصلية استُعملت لكتابة نُسخ متعددة أُخرى وتم توزيعها. يقال أن نسختين أصليتين من نُسخ عثمان رضي الله عنه موجودتان في متاحف في طشقند وإستانبول. ومن المعلوم أن الخليفة عثمان رضي الله عنه لم يكتف بإرسال نُسخة إلى المدينة الإسلامية بل أرسل قارئاً قرشياً ليعلم الناس الطريقة النبوية الصحيحة لقراءة القرآن الكريم. وهكذا فإن توزيع عثمان رضي الله عنه للقرآن الكريم لا يعني جمعه لأول مرة كما يُظن، فقد كان مجموعاً أثناء حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وضُم في كتاب واحد متعادل الصفحات زمن الخليفة أبو بكر الصديق. إن أهمية إسهام عثمان رضي الله عنه تكمن في قدرته على ملاحظة اختلاف اللهجات بين معتنقي الإسلام، مما حدا به لاستشارة الصحابة لحل المشكلة فوراً وتقرير توحيد القراءة على لهجة واحدة وهي لهجة قريش قبيلة النبي صلى الله عليه وسلم.
تاريخ جمع القرآن الكريم(أثناء خلافة على رضى الله عنه وحكم معاوية):-
انقسمت الأمة الإسلامية بعد اغتيال عثمان ابن عفان رضي الله عنه إلى فريقين، خاضا ضد بعضهما حروباً ضارية، وخلال ظروف مضطربة كتلك فإن أُسس العقيدة الجدبدة التي ساهمت في ظهور تلك الأطراف، قد تتعرض لتكون موضع نزاع بين الأطراف المتناحرة، مما قد يؤدي إلى ظهور نصين لكتابين دينيين مختلفين، لكن ذلك لم يحدث في تلك الحالة، بل إن الفريقين المتنازعين استمرا في اعتقادهما الراسخ في نفس الكتاب. لقد حافظ علي رضي الله عنه على القرآن الكريم كما هو عندما استلمه من الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه وكذلك فعل معاوية .
كانت وجهات نظرهما متباينة في بعض الأمور، لكنهما كانا متفقين في إيمانهما بالقرآن الكريم، وواصلا جهودهما في محافظة الأمة الإسلامية على القرآن الكريم ونشره. ولو أن علياً رضي الله عنه جمع نصاً مختلفاً من القرآن الكريم (كما ورد في بعض الأخبار الفردية) لكان قد فرضه (كما يدعي بعض الشيعة) بدلاً من النص الذي وضعه الخلفاء الذين سبقوه، لقد خلت سنوات حكمه الست من أي ادعاء كهذا، بل إننا نجده يتلو النص نفسه، ويعتمد عليه في فتاواه ويعلمه للأجيال القادمة.
ومنذ ذلك الحين :-
انتعش المسلمون بعد زمن الفتنة، وعمل الحكام الأمويون والعباسيون على التأكيد على أن نسخة القرآن الكريم الأصلية هي النسخة الوحيدة المقبولة والموثوقة والمقدسة. وبعد سقوط العباسيين تولى الحكم الخلافة العثمانية التركية، وجعلت الدولة المحافظة على القرآن الكريم ونشره على رأس أولوياتها. لقد اعتُرف بنص واحد ولم يوجد غيره، واستمر آلاف المسلمين في تلاوته كاملاً سنوياً خلال صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك طيلة الأربعة عشر قرناً الماضية في كل بقاع الأرض. وقد طًبعت نُسخ عديدة من القرآن الكريم عندما اخترعت آلات الطباعة ووزعت على نطاق واسع، ولا يوجد أدنى شك في وجود أي تحريف فيه عن الأصل.
والله تعالى أعلم
تمـــــــت بحمـــــــد اللـــــــه
****************************
المصدر : الموضوع ترجمة عن مقال أرسله لي أحد الأخوة بعنوان :
The Holy Qur’an – Its Historical Authenticity
Nadir Aqueel Ansari