معنى هذه الكلمة ومقتضاها
ـ معنى هذه الكلمة ومقتضاها: -
اتضح مما سبق أن معنى لا إله إلا الله – لا معبود بحق إلا إله واحد وهو الله وحده لا شريك له، لأنه المستحق للعبادة فتضمنت هذه الكلمة العظيمة أن ما سوى الله من سائر المعبودات ليس بإله حق وأنه باطل. لأنه لا يستحق العبادة.
ولهذا كثيرًا ما يرد الأمر بعبادة الله مقرونًا بنفي عبادة ما سواه، لأن عبادة الله لا تصح مع إشراك غيره معه – قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} [سورة النساء: 36].
وقال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة: 256].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [سورة النحل: 36].
وقال صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم دمه وماله"(12).
وكل رسول يقول لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [سورة الأعراف: 59]. إلى غير ذلك من الأدلة
قال الإمام ابن رجب رحمه الله: وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غير الله – والإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالاً، ومحبة وخوفًا ورجاء وتوكلاً عليه وسؤالاً منه ودعاء له ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل.
ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكفار قريش: قولوا لا إله إلا الله، قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [سورة ص~: 5].
ففهموا من هذه الكلمة أنها تبطل عبادة الأصنام كلها وتحصر العبادة لله وحده وهم لا يريدون ذلك، فتبين بهذا المعنى أن معنى لا إله إلا الله ومقتضاها إفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه، فإذا قال العبد: لا إله إلا الله فقد أعلن وجوب إفراد الله بالعبادة وبطلان عبادة ما سواه والقبور والأولياء والصالحين،
وبهذا يبطل ما يعتقده عباد القبور اليوم وأشباههم من أن معنى لا إله إلا الله هو الإقرار بأن الله موجود أو أنه هو الخالق القادر على الاختراع وأشباه ذلك. أو أن معناها لا حاكمية إلا لله ويظنون أن من اعتقد ذلك وفسر به لا إله إلا الله فقد حقق التوحيد المطلق ولو فعل ما فعل من عبادة غير الله والاعتقاد بالأموات والتقرب إليهم بالذبائح والنذور والطواف بقبورهم
والتبرك بتربتهم،
وما شعر هؤلاء أن كفار العرب الأولين يشاركونهم في هذا الاعتقاد ويعرفون أن الله هو الخالق القادر على الاختراع ويقرون بذلك وأنهم ما عبدوا غيره إلا لزعمهم أنهم يقربونهم إلى الله زلفى لا أنهم يخلقون ويرزقون فالحاكمية جزء من معنى لا إله إلا الله وليست هي معناها الحقيقي المطلوب فلا يكفي الحكم بالشريعة في الحقوق والحدود والخصومات مع وجود الشرك في العبادة.
ولو كان معنى لا إله إلا الله ما زعمه هؤلاء لم يكن بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المشركين نزاع بل كانوا يبادرون إلى إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قال لهم أقروا بأن الله هو القادر على الاختراع أو أقروا أن
الله موجود. أو قال لهم تحاكموا إلى الشريعة في الدماء والأموال والحقوق وسكت عن العبادة. لكن القوم وهم أهل اللسان العربي فهموا أنهم إذا قالوا (لا إله إلا الله) فقد أقروا ببطلان عبادة الأصنام وأن هذه الكلمة ليست مجرد لفظ لا معنى له، ولهذا نفروا منها وقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [سورة ص~: 5].
كما قال الله عنهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ، وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} [سورة الصافات: 35، 36].
فعرفوا أن لا إله إلا الله تقتضي ترك عبادة ما سوى الله وإفراد الله بالعبادة، وأنهم لو قالوها واستمروا على عبادة الأصنام لتناقضوا مع أنفسهم وهم يأنفون من التناقض، وعباد القبور اليوم لا يأنفون من هذا التناقض الشنيع فهم يقولون لا إله إلا الله، ثم ينقضونها بعبادة الأموات والتقرب إلى الأضرحة بأنواع من العبادات فتبا لمن كان أبو جهل وأبو لهب أعلم منه
بمعنى لا إله إلا الله.
والحاصل أن من قال هذه الكلمة عارفًا لمعناها عاملاً بمقتضاها ظاهرًا وباطنًا من نفي الشرك وإثبات العبادة لله مع الاعتقاد الجازم لما تضمنته والعمل به فهو المسلم حقًا، ومن قالها وعمل بها ومبقتضاها ظاهرًا من غير اعتقاد لما دلت عليه فهو المنافق، ومن قالها بلسانه وعمل بخلافها من الشرك المنافي لها فهو المشرك المتناقض فلا بد مع النطق بهذه الكلمة من معرفة معناها، لأن ذلك وسيلة للعمل بمقتضاها قال تعالى: {إِلاّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سورة الزخرف: 86].
والعمل بمقتضاها هو عبادة الله والكفر بعبادة ما سواه – وهو الغاية المقصودة من هذه الكلمة، ومن مقتضى لا إله إلا الله قبول تشريع الله في العبادات والمعاملات والتحليل والتحريم، ورفض تشريع من سواه – قال تعالى:
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [سورة الشورى: 21].
فلا بد من قبول تشريع الله في العبادات والمعاملات والحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه في الأحوال الشخصية وغيرها رفض القوانين الوضعية. ومعنى ذلك رفض جميع البدع والخرافات التي يبتدعها ويروجها شياطين الإنس والجن في
العبادات ومن تقبل شيئًا من ذلك فهو مشرك كما قال في هذه الآية: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}.
وقال تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [سورة الأنعام: 121].
وقال تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} [سورة التوبة: 31].
وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: "تلا هذه الآية على عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه فقال: يا رسول الله لسنا نعبدهم، قال: أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه، قال: بلى – قال
النبي صلى الله عليه وسلم: فتلك عبادتهم"(13).
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: فصارت طاعتهم في المعصية عبادة لغير الله وبها اتخذوهم أربابًا كما هو الواقع في هذه الأمة. وهذا من الشرك الأكبر. المنافي للتوحيد الذي هو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله... فتبين أن كلمة الإخلاص نفت هذا كله لمنافاته لمدلول هذه الكلمة(14).
وكذلك يجب رفض التحاكم للقوانين لأنه يجب التحاكم إلى كتاب الله وترك التحاكم إلى ما عداه من النظم والقوانين البشرية...
قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [سورة النساء: 59].
وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي} [سورة الشورى: 10].
وقد حكم سبحانه بكفر من لم يحكم بما أنزل الله وبظلمه وفسقه. ونفى عنه الإيمان مما يدل على أن الحكم بغير ما أنزل الله إذا كان الحاكم به يستبيحه أو يرى أنه أصلح من حكم الله وأحسن فهذا كفر وشرك ينافي التوحيد ويناقض لا إله إلا الله تمام المناقضة – وإن كان لا يستبيح ذلك ويعتقد أن حكم الله هو الذي يجب الحكم به – ولكن حمله الهوى على مخالفته فهذا كفر أصغر وشرك أصغر يُنقِّضُ معنى لا إله إلا الله ومقتضاها.
إذًا – فلا إله إلا الله منهج متكامل يجب أن يسيطر على حياة المسلمين وجميع عباداتهم وتصرفاتهم فليست لفظًا يردد للبركة والأوراد الصباحية والمسائية بدون فهم لمعناه وعمل بمقتضاه والسير على منهجه كما يظنه كثير ممن يتلفظون
بها بألسنتهم ويخالفونها في معتقداتهم وتصرفاتهم.
ومن مقتضى لا إله إلا الله إثبات أسماء الله وصفاته التي سمى ووصف بها نفسه أو سماه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}
[سورة الأعراف: 180]. قال في فتح المجيد:- وأصل الإلحاد في كلام العرب العدول عن القصد والميل والجور والانحراف وأسماء الرب تعالى كلها أسماء وأوصاف تعرف بها تعالى إلى عباده ودلت على كماله جل وعلا.
وقال رحمه الله(15) فالإلحاد فيها ما يجحدها وإنكارها، وأما بجحد معانيها وتعطيلها، وأما بتحريفها عن الصواب وإخراجها عن الحق بالتأويلات، وأما أن يجعلها أسماء لهذه المخلوقات كإلحاد أهل الاتحاد فإنهم جعلوها أسماء هذا الكون محمودها ومذمومها... انتهى.
فمن ألحد في أسماء الله وصفاته بالتعطيل والتأويل أو التفويض ولم يعتقد ما دلت عليه من المعاني الجليلة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة فقد خالف مدلول لا إله إلا الله – لأن الإله هو الذي يدعى ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته – كما قال تعالى: (فادعوه بها) والذي ليس له أسماء ولا صفات كيف يكون إلها وكيف يدعى وبماذا – يدعى...
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: تنازع الناس في كثير من الأحكام ولم يتنازعوا في آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد بل اتفق الصحابة والتابعون على إقرارها وإمرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها، وهذا يدل على أنها أعظم النوعين بيانًا وأن العناية ببيانها أهم، لأنها من تمام تحقيق الشهادتين وإثباتها من لوازم التوحيد فبينها الله سبحانه وتعالى ورسوله
بيانًا شافيًا لا يقع فيه لبس. وآيات الأحكام لا يكاد يفهم معانيها إلا الخاصة من الناس.
وأما آيات الصفات فيشترك في فهم معناها الخاص والعام، أعني فهم أصل المعنى لا فهم الكنه والكيفية(16).
وقال أيضًا: وهذا أمر معلوم بالفطر والعقول السليمة والكتب السماوية أن فاقد صفات الكمال لا يكون إلهًا ولا مدبرًا ولا ربًا، بل هو مذموم معيب ناقص، ليس له الحمد لا في الأولى ولا في الآخرة، وإنما الحمد في الأولى والآخرة لمن له صفات الكمال ونعوت الجلال التي لأجلها استحق الحمد، ولهذا سمى السلف كتبهم التي صنفوها في السنة وإثبات صفات الرب وعلوه في خلقه وكلامه وتكليمه توحيدًا، لأن نفي ذلك وإنكاره والكفر به إنكار للصانع وجحد له، وإنما توحيده
إثبات صفات كماله وتنزيهه عن التشبيه والنقائض(17).
ـ معنى هذه الكلمة ومقتضاها: -
اتضح مما سبق أن معنى لا إله إلا الله – لا معبود بحق إلا إله واحد وهو الله وحده لا شريك له، لأنه المستحق للعبادة فتضمنت هذه الكلمة العظيمة أن ما سوى الله من سائر المعبودات ليس بإله حق وأنه باطل. لأنه لا يستحق العبادة.
ولهذا كثيرًا ما يرد الأمر بعبادة الله مقرونًا بنفي عبادة ما سواه، لأن عبادة الله لا تصح مع إشراك غيره معه – قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} [سورة النساء: 36].
وقال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة: 256].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [سورة النحل: 36].
وقال صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم دمه وماله"(12).
وكل رسول يقول لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [سورة الأعراف: 59]. إلى غير ذلك من الأدلة
قال الإمام ابن رجب رحمه الله: وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غير الله – والإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالاً، ومحبة وخوفًا ورجاء وتوكلاً عليه وسؤالاً منه ودعاء له ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل.
ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكفار قريش: قولوا لا إله إلا الله، قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [سورة ص~: 5].
ففهموا من هذه الكلمة أنها تبطل عبادة الأصنام كلها وتحصر العبادة لله وحده وهم لا يريدون ذلك، فتبين بهذا المعنى أن معنى لا إله إلا الله ومقتضاها إفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه، فإذا قال العبد: لا إله إلا الله فقد أعلن وجوب إفراد الله بالعبادة وبطلان عبادة ما سواه والقبور والأولياء والصالحين،
وبهذا يبطل ما يعتقده عباد القبور اليوم وأشباههم من أن معنى لا إله إلا الله هو الإقرار بأن الله موجود أو أنه هو الخالق القادر على الاختراع وأشباه ذلك. أو أن معناها لا حاكمية إلا لله ويظنون أن من اعتقد ذلك وفسر به لا إله إلا الله فقد حقق التوحيد المطلق ولو فعل ما فعل من عبادة غير الله والاعتقاد بالأموات والتقرب إليهم بالذبائح والنذور والطواف بقبورهم
والتبرك بتربتهم،
وما شعر هؤلاء أن كفار العرب الأولين يشاركونهم في هذا الاعتقاد ويعرفون أن الله هو الخالق القادر على الاختراع ويقرون بذلك وأنهم ما عبدوا غيره إلا لزعمهم أنهم يقربونهم إلى الله زلفى لا أنهم يخلقون ويرزقون فالحاكمية جزء من معنى لا إله إلا الله وليست هي معناها الحقيقي المطلوب فلا يكفي الحكم بالشريعة في الحقوق والحدود والخصومات مع وجود الشرك في العبادة.
ولو كان معنى لا إله إلا الله ما زعمه هؤلاء لم يكن بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المشركين نزاع بل كانوا يبادرون إلى إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قال لهم أقروا بأن الله هو القادر على الاختراع أو أقروا أن
الله موجود. أو قال لهم تحاكموا إلى الشريعة في الدماء والأموال والحقوق وسكت عن العبادة. لكن القوم وهم أهل اللسان العربي فهموا أنهم إذا قالوا (لا إله إلا الله) فقد أقروا ببطلان عبادة الأصنام وأن هذه الكلمة ليست مجرد لفظ لا معنى له، ولهذا نفروا منها وقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [سورة ص~: 5].
كما قال الله عنهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ، وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} [سورة الصافات: 35، 36].
فعرفوا أن لا إله إلا الله تقتضي ترك عبادة ما سوى الله وإفراد الله بالعبادة، وأنهم لو قالوها واستمروا على عبادة الأصنام لتناقضوا مع أنفسهم وهم يأنفون من التناقض، وعباد القبور اليوم لا يأنفون من هذا التناقض الشنيع فهم يقولون لا إله إلا الله، ثم ينقضونها بعبادة الأموات والتقرب إلى الأضرحة بأنواع من العبادات فتبا لمن كان أبو جهل وأبو لهب أعلم منه
بمعنى لا إله إلا الله.
والحاصل أن من قال هذه الكلمة عارفًا لمعناها عاملاً بمقتضاها ظاهرًا وباطنًا من نفي الشرك وإثبات العبادة لله مع الاعتقاد الجازم لما تضمنته والعمل به فهو المسلم حقًا، ومن قالها وعمل بها ومبقتضاها ظاهرًا من غير اعتقاد لما دلت عليه فهو المنافق، ومن قالها بلسانه وعمل بخلافها من الشرك المنافي لها فهو المشرك المتناقض فلا بد مع النطق بهذه الكلمة من معرفة معناها، لأن ذلك وسيلة للعمل بمقتضاها قال تعالى: {إِلاّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سورة الزخرف: 86].
والعمل بمقتضاها هو عبادة الله والكفر بعبادة ما سواه – وهو الغاية المقصودة من هذه الكلمة، ومن مقتضى لا إله إلا الله قبول تشريع الله في العبادات والمعاملات والتحليل والتحريم، ورفض تشريع من سواه – قال تعالى:
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [سورة الشورى: 21].
فلا بد من قبول تشريع الله في العبادات والمعاملات والحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه في الأحوال الشخصية وغيرها رفض القوانين الوضعية. ومعنى ذلك رفض جميع البدع والخرافات التي يبتدعها ويروجها شياطين الإنس والجن في
العبادات ومن تقبل شيئًا من ذلك فهو مشرك كما قال في هذه الآية: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}.
وقال تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [سورة الأنعام: 121].
وقال تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} [سورة التوبة: 31].
وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: "تلا هذه الآية على عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه فقال: يا رسول الله لسنا نعبدهم، قال: أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه، قال: بلى – قال
النبي صلى الله عليه وسلم: فتلك عبادتهم"(13).
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: فصارت طاعتهم في المعصية عبادة لغير الله وبها اتخذوهم أربابًا كما هو الواقع في هذه الأمة. وهذا من الشرك الأكبر. المنافي للتوحيد الذي هو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله... فتبين أن كلمة الإخلاص نفت هذا كله لمنافاته لمدلول هذه الكلمة(14).
وكذلك يجب رفض التحاكم للقوانين لأنه يجب التحاكم إلى كتاب الله وترك التحاكم إلى ما عداه من النظم والقوانين البشرية...
قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [سورة النساء: 59].
وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي} [سورة الشورى: 10].
وقد حكم سبحانه بكفر من لم يحكم بما أنزل الله وبظلمه وفسقه. ونفى عنه الإيمان مما يدل على أن الحكم بغير ما أنزل الله إذا كان الحاكم به يستبيحه أو يرى أنه أصلح من حكم الله وأحسن فهذا كفر وشرك ينافي التوحيد ويناقض لا إله إلا الله تمام المناقضة – وإن كان لا يستبيح ذلك ويعتقد أن حكم الله هو الذي يجب الحكم به – ولكن حمله الهوى على مخالفته فهذا كفر أصغر وشرك أصغر يُنقِّضُ معنى لا إله إلا الله ومقتضاها.
إذًا – فلا إله إلا الله منهج متكامل يجب أن يسيطر على حياة المسلمين وجميع عباداتهم وتصرفاتهم فليست لفظًا يردد للبركة والأوراد الصباحية والمسائية بدون فهم لمعناه وعمل بمقتضاه والسير على منهجه كما يظنه كثير ممن يتلفظون
بها بألسنتهم ويخالفونها في معتقداتهم وتصرفاتهم.
ومن مقتضى لا إله إلا الله إثبات أسماء الله وصفاته التي سمى ووصف بها نفسه أو سماه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}
[سورة الأعراف: 180]. قال في فتح المجيد:- وأصل الإلحاد في كلام العرب العدول عن القصد والميل والجور والانحراف وأسماء الرب تعالى كلها أسماء وأوصاف تعرف بها تعالى إلى عباده ودلت على كماله جل وعلا.
وقال رحمه الله(15) فالإلحاد فيها ما يجحدها وإنكارها، وأما بجحد معانيها وتعطيلها، وأما بتحريفها عن الصواب وإخراجها عن الحق بالتأويلات، وأما أن يجعلها أسماء لهذه المخلوقات كإلحاد أهل الاتحاد فإنهم جعلوها أسماء هذا الكون محمودها ومذمومها... انتهى.
فمن ألحد في أسماء الله وصفاته بالتعطيل والتأويل أو التفويض ولم يعتقد ما دلت عليه من المعاني الجليلة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة فقد خالف مدلول لا إله إلا الله – لأن الإله هو الذي يدعى ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته – كما قال تعالى: (فادعوه بها) والذي ليس له أسماء ولا صفات كيف يكون إلها وكيف يدعى وبماذا – يدعى...
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: تنازع الناس في كثير من الأحكام ولم يتنازعوا في آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد بل اتفق الصحابة والتابعون على إقرارها وإمرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها، وهذا يدل على أنها أعظم النوعين بيانًا وأن العناية ببيانها أهم، لأنها من تمام تحقيق الشهادتين وإثباتها من لوازم التوحيد فبينها الله سبحانه وتعالى ورسوله
بيانًا شافيًا لا يقع فيه لبس. وآيات الأحكام لا يكاد يفهم معانيها إلا الخاصة من الناس.
وأما آيات الصفات فيشترك في فهم معناها الخاص والعام، أعني فهم أصل المعنى لا فهم الكنه والكيفية(16).
وقال أيضًا: وهذا أمر معلوم بالفطر والعقول السليمة والكتب السماوية أن فاقد صفات الكمال لا يكون إلهًا ولا مدبرًا ولا ربًا، بل هو مذموم معيب ناقص، ليس له الحمد لا في الأولى ولا في الآخرة، وإنما الحمد في الأولى والآخرة لمن له صفات الكمال ونعوت الجلال التي لأجلها استحق الحمد، ولهذا سمى السلف كتبهم التي صنفوها في السنة وإثبات صفات الرب وعلوه في خلقه وكلامه وتكليمه توحيدًا، لأن نفي ذلك وإنكاره والكفر به إنكار للصانع وجحد له، وإنما توحيده
إثبات صفات كماله وتنزيهه عن التشبيه والنقائض(17).