من ننتخب 2
حقان مهمان لابد من آدائهما في هذه التجليات الانتخابية يتعلق الحق الأول بحق المجتمع على المرشح ، والحق الثاني يتعلق بحق المرشح على المجتمع .
أما الحق الأول : هو حق المجتمع على المرشح فهو ان يراقب الله سبحانه وتعالى في حملته الانتخابية من الانحراف والاسراف والمبالغات ، ذلك أن بعض المرشحين يكفر بالنعمة بالاسراف والتبذير والمظاهر .
ومن جهة ثانية فإن بعض المرشحين يحاول أن يخدع المجتمع ويدغدغ عواطفه بوعود ومبالغات خيالية ، ولعلكم أدركتم واطلعتم على بعض هذه الوعود التي هي من قبيل الوعد الكاذب لأنها وعود خيالية لا يستطيع المرشح تحقيقها عرفاً وعادة ، بل بعضهم يأتي بوعود ليست من صلاحيات المجلس المنتخب من أجله ولذا فهي مخادعة وكذب ووعد لا يمكن تحقيقة ، وهذا لا يليق أن يصدر من مرشح في مجتمع مسلم ، وهذا من الأنحراف في الحملات الانتخابية وهو أمر يؤثر على أخلاقيات وثوابت المجتمع المسلم الذي يجب على الجميع المحافظة عليه وعدم التغرير بالمجتمع وأفراده .
وأمر آخر يتعلق بالمرشح أن عليه يتقي الله في أن لا يجمع الناس حوله بالعطايا والهدايا أو أن يشتري الذمم والأصوات بأي أسلوب فهذا محرم شرعاً لأنه من الخيانة .
وأمر ثالث يتعلق بالمرشح وهو أن يتقي الله في أن لا يحرش بين المسلمين أو بين الحملات الانتخابية أو أن يطعن أو أن يلقي التهم أو يهيج أسباب الفرقة بين أفراد المجتمع إما بالضغط على أفراده للتصويت له أو باحياء القبليات والنعرات الجاهلية ، أو من خلال الضغط على قبيلته أو على من ينتمي معه في الإنتماء المكاني أو المنهج الدعوى فهو أمر يخالف المنهج الشرعي ومن فعل ذلك من المرشحين فهو على خطر في دينه ومروته وسينكشف أمره حاضراً او مستقبلا ، فليتقي الله وأياه أن يبذر ما يفرق به بين المسلمين أو يكدر نفوسهم فإن المسألة لا تتحمل ذلك .
وكل ذنب حصل بسبب ذلك من بذر للفرقة أو شحن للنفوس فإن أثمه على المرشح ويقاس ذلك على مسألة ذكرها الامام الجويني في كتابه الغياثي يقول { فإن فرض تنازع وتمانع بين واليين كان وزر المسلمين مرجوعاً اليه في الخصومات الشاجرة } ص 178
وأما الحق الثاني وهو حق المرشح على المجتمع فهو أن المجتمع عليه أن يتعامل مع هذه الحملات الأنتخابية باخلاقيات المجتمع المسلم وبأدب المجتمع المسلم ومن ذلك أنها اذا ظهرت نتائج الترشيح فلا ينبغي أن يحصل التحقير او الاستهزاء أو التنقيص أو التشهير بمن لم يرشح بل يجب الاعراض عن ذلك والكف عنه ، فلعل الله سبحانه وتعالى أراد به خيراً في عدم ترشيحه فكيف ننقصه والله قد أختار ذلك في علمه الازلي أنه خير له .
ثم أنه قد لا يوفق الفاضل في الترشيح لسبب أو لاخر أو لقوة الدعم للمفضول ، أو ربما أن المجتمع اختار المفضول على الفاضل لسبب رآه عقلاء المجتمع فإن من المستقر من القواعد الشرعية التي ذكرها أهل العلم هي { جواز تولية المفضول مع وجود الفاضل } والادلة على ذلك كثيرة خاصة أن هذه الانتخابات يعتريها ما يعتري غيرها من أخطاء البشر أو اجتهاداتهم أو قوة الدعم ، ومن ثم فيجب الكف وعدم الخوض في دائرة التنقيص والتشهير والنقض بمن لم يرشح ، ثم إنه بالمشاهدة والتأمل فإن الكثير من المرشحين لهم مزية قد لا توجد في غيره وهذه نظرة لابد أن نتعقلها وأن لا نطرح محاسن من لم يوفق في الترشيح بل ينبغي ان تتسع صدورنا وعقولنا لاستيعاب ذلك وهذه من أدبيات المجتمع المسلم ،
وإليكم هذه المقولة الرائعة التي استوقفتني كثيراً وحق لها أن يتأملها المتأمل يقول الامام الجويني في كتابة الغياثي يقول { في كل عقل مزية ولكن اختلاف الاراء مفسدة لامضاء الأمور } ص 87